تقرير :امل عبد الحميد الخرطوم-19-6-2020(سونا)-لم اتوقع أن أقف هذا الموقف المخيب للآمال، أنا أكون ضمن هذه العائلة التي دفع بها الخوف والوصمة المجتمعية من فايروس كورونا (كوفيد 19) إلى تجنب الخضوع للفحوصات المبكرة للكشف عن الإصابة لأحد أفرادها وطلب الرعاية الطبية؛ مما أدى إلى أن تفقد العائلة واحداً من خيرة أبنائها، معلماً للأجيال بذل حياته للعلم والتعليم الذي هو أحد أركان مكافحة الوصمة، إلا أن الخوف من النبذ من الآخرين الذي تملّك أسرته كان ثمناً لأن يدفع أحد أفرادها حياته الغالية ولم يْجد النصح والرشُد لها بتسليم نفسه لأحد مراكز الوبائيات لإجراء الفحص لفايروس كورونا.

 

وصم المصابين ب(كوفيد 19) في السودان زاد إلى الحد الذي دفع البعض إلى رفض الاعتراف بالمرض وتجنب دخول المستشفيات لإجراء الفحص للفايروس وعدم الرغبة في تلقي العلاج حتى لا ينبذ المريض اجتماعياً، وتسبب بالتالي في فقد حياة كثيرين. تراجعت الرحمة و الوعي الإنساني لتحل محلها الأنانية المفرطة والوصم الاجتماعي من فايروس كورونا ، وفضلت العديد من الأسر أن تفقد أحد أفرادها على أن توصم لإصابته بكورونا ؛ لتحافظ على سمعتها العريقة في المجتمع.

 

 في معركة البشرية تجاه جائحة كورونا تلعب العديد من العوامل ذات المرجعية الاجتماعية والثقافية دوراً في إعاقة جهود المواجهة ، ومن ذلك الوصمة المجتمعية التي تلاحق المصابين بهذا المرض و تنعكس على حالتهم النفسية وسلوكهم الاجتماعي الأمر الذي قد ينعكس سلباً على قدراتهم المناعية لمقاومة المرض، هكذا أبتدر الدكتور الطيب محجوب محمد أحمد أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجي بجامعة الخرطوم حديثه حول الوصمة المجتمعية في السودان

 

و و شرح الوصمة بأنها الرفض الاجتماعي الشديد لشخص أو مجموعة من الناس وذلك لأسباب اجتماعية مميزة مقبولة عند الغالبية، بحيث أن فاعل الأمر المسبب للوصمة يكون موسوما بها ومميزا عن باقي أفراد المجتمع.. ربما يكون المثال الأشهر لتوضيح هذه الصورة هو التمييز الذي كان سائدا ضد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز.

 

ويفسر دكتور الطيب ارتباط المرض بالحجر الصحي أحد العوامل  المهمة للوصمة ، ففي السودان ومعظم مجتمعات العالم النامي تعكس النظرة للأوبئة والأمراض المرتبطة بالحجر إلى حد كبير معتقدات ثقافية واجتماعية تنطوي على عدم ثقة متأصّلة في الحكومة، وخبرة على مرّ التأريخ، وخوف من الذهاب إلى المستشفى، وبالنظر إلى أن تردّي منظومة الرعاية الصحّية في السودان يعني المرض عند الكثيرين "الموت".

 

ويؤكد أن أهم الفئات التي أصبحت في مرمى نيران الوصمة المجتمعية، المرتبطة بهذا المرض: الأشخاص العائدون من السفر، العاملون في مجال الرعاية الصحية وطواقم الطوارئ، الأشخاص المصابون بالفيروس وعائلاتهم وأصدقائهم، الأشخاص الذين أكملوا فترة الحجر الصحي، مبينا  أن الخوف ضد الوصمة يقود إلى تبنى أشكال غير منطقية من التصرفات الفردية أو الجماعية مثل الاعتداء على الأطباء أو الكوادر الصحية لمجرد إشتبائهم بحالة المريض أو طلب فحوصات تشخصية كما حدث في بعض المستشفيات وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي  لمشاهد الاعتداء، أيضا التنمر الذي يظهر في صورة إيذاء جسدي أو لفظي، ويظهر في صورة رفض للتعامل أو الاستبعاد والنبذ في المواقف الاجتماعية مع الأهل والأصدقاء والزملاء مما يؤدي إلى إيذاء مشاعر الأشخاص و يتسبب لهم في مشاكل نفسية ، ويضيف أن الأذى لا يقتصر على هؤلاء الأشخاص، بل يمتد ليشمل المجتمع بالكامل، حيث تمتد دائرة الوصم من الفرد إلى أسرته، أصدقائه والمقربين إلى المجتمع المحلي وقد تصل إلى أن نوصم قرية أو مدينة وقد يمتد لتكون دولة بحالها تحت دائرة الوصمة.

 

وعن كيفية مواجهة الوصمة ومعالجتها يرى دكتور الطيب ضرورة بناء الثقة في الخدمات والمشورة الصحية التي يمكن الاعتماد عليها، وإظهار التعاطف مع الأفراد المصابين والمتضررين واعتماد تدابير وإجراءات عملية فعالة للحفاظ على   سلامة  الناس ويشمل الجهات الصحية التي يتطلب منها استخدام لغة ومصطلحات لا تحط من قدر الأفراد المصابين أو تساهم بالخوف المبالغ فيه من المرض مثل " المرض الفتاك، العضال، الكارثة".. وذلك باستخدام عبارات ومصطلحات لتخفيف الوصم مثل "اكتساب" أو "التصاق العدوى" بمرض فيروس كورونا بدلاً من استعمال مصطلحات مثل نقل "مرض فيروس كورونا " أو "إصابة الآخرين" أو "نشر الفيروس" لأنه قد يحمل معنى ضمني بأنه فعل مقصود أو على انتقال مقصود ويلمح باللوم.

 

وينصح بالتأكيد والتشديد على فعالية تدابير وإجراءات الوقاية والعلاج، بدلاً من التركيز على السلبيات أو على رسائل تتسم بالتهديد، بالإضافة إلى ضرورة رفع وسائل الإعلام لمستوى الوعي عن المرض ووسائل الوقاية دون زيادة الهلع بين العامة من خلال نشر المعلومات الدقيقة علمياً وتوصيات الجهات الصحية المسؤولة وتجنب الشائعات أو استخدام الكلمات ذات التأثير السلبي كوصف المرض بطاعون العصر مثلا، و التحدث عن خطر الوصم والتمييز ضد بعض الفئات، والتواصل مع من تم التمييز ضدهم لشرح ما تعرضوا له، وتقديم الدعم النفسي اللازم لهم والتحدث عن الدور الكبير الذي تقوم به الطواقم الطبية في مواجهة المرض، والتنبيه على عدم ممارسة أي نوع من التمييز ضدهم بالإضافة إلى التركيز على قصص الأشخاص الذين تعافوا من المرض، أو الذين دعموا المصابين خلال مرضهم، مما يساعد على ترسيخ فكرة قابلية المرض للعلاج وخلق حالة من التعاطف مع المرضي وذويهم.

 

     ويضيف دكتور الطيب بأهمية تقليل التعرض للأخبار الخاصة للمرضى من أفراد المجتمع بشكل مستمر مع عدم الاسهام في نشر الرسائل غير الموثوقة، لأن ذلك أحد العوامل المؤثرة على زيادة الخوف والمشاعر السلبية، مضيفا بدور المجتمعي للزعماء الدينين وأهل العلم والثقافة والرياضة وهم أصحاب الكلمة المسموعة في المجتمع والذين يلعبون دوراً هاماً في مكافحة التمييز، موضحاً أن القادة الدينيون على سبيل المثال يمكنهم المشاركة في النهي عن ممارسة هذا النوع من التنمر ودعم الفئات التي أصابها الضرروتقديم الرسائل التوعوية من خلال المنابر الدينية ولقاءاتهم الاجتماعية مع العمل والتي تجد حظها من النشر بوسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية. 

 

لم يقتصر تأثير جائحة فايروس كورونا المستجد على المصابين وأجسادهم، ومجتمعاتهم بل تسببت في نشر كثير من الأمراض النفسية، والاضطرابات العقلية، والإصابة بالاكتئاب، للمرضى، والعاملين في المجال الصحي، والمحجورين بمنازلهم، بحسب منظمة الصحة العالمية

 

ولم تأتِ تأكيدات "الصحة العالمية" من فراغ وإنما وفقاً لدراسات مسحيَّة في العديد من دول العالم، خاصةً أن انتشار "كورونا" مَثَّل ضغطاً نفسياً شديداً ناتجاً عن الخوف من الإصابة بهذا الفيروس وما يتبع ذلك من نتائج صحية على المستوى الفردي والأسري والمُجتمعي والمؤسساتي.

 

تسنيم البرهومي الاختصاصي النفسي الإكلينيكي اكدت ارتباط الإصابة بفايروس كورونا في عقلية المجتمعات بدول العالم  كافة ومن ضمنها "المجتمع السوداني" بالهلع والخوف الشديد مع بداية ظهوره، مضيفة باختلاف تفسير العقل للصدمات على حسب الفروق الفردية عند الأفراد، فمنهم من ينكر ذلك ومنهم من يستهون الأمر ومنهم من يتعامل مع الموقف بإستهتار كما فعل البعض في بداية جائحة كورونا.

 

وأشارت البرهومي إلى ما يسمى بالوعي الجمعي في " المجتمع السوداني " والقصد منه وعي المجتمع بحجم جائحة فايروس كورونا وفهمه لطبيعة الفايرس وطريقة التعامل معه والوقاية والعلاج منه، ولفتت إلى تميز المجتمع السوداني بالترابط الإجتماعي، مما افرز عددا من الإيجابيات والسلبيات والتي بدأت بها " حكاية " الإستنكار والإستهجان لأولى حالات الإصابة مع عدم الوعي الكافي والمعرفة، فالبعض بدأ بالخوف والتوتر من ظهور الحالات وربط الإصابة بالموت وما نتج عنها من إنكار أسر المصابيين ووصول حالات الإنكار حد مطالبة أسر الموتى للأهل والجيران والأصدقاء، المشاركة في التشييع والعزاء واللوم على عدم المشاركة بالرغُم من المحاذير الصحية التي وضعتها إدارة الوبائيات بوزارة الصحة تجاه المخالطين، مضيفة بأنها حيلة دفاعية من العقل اللاواعي يطلقها في حالة الضغوط الحادة والصدمات والتي من شأنها أن تؤثر على الصحة النفسية.

 

وعن الدعم النفسي اكدت ضرورة ملازمته للدعم الطبي في الظروف الطارئة كما حدث في جائحة كورونا باعتباره عامل مساعد في العلاج الطبي يستهدف جميع شرائح المجتمع الأسر والعاملين في المجال الطبي الذين يعانون من الضغط الشديد في العمل

أخبار ذات صلة